أهلاً وسهلا بكم
يسعدني المشاركة في هذا الملتقى..
في نهاية عام 1989 تم إسقاط جدار برلين، وبعد عامين من ذلك رأينا إنهيار وتفكك الإتحاد السوفيتي، وإنتهاء الحرب الباردة، تحررت الكثير من البلدان، وبعد عام 1991 بدأ الحديث عن الموجة الرابعة للديمقراطية، وكان رجال السياسة والأكاديميين يتحدثون عن النظام العالمي الجديد، الشعوب المضطهدة والمسلوبة الحقوق أوقدت شعلات الحرية.
ومرت سنوات، لم يشهد الشرق الأوسط اي تغيير كبير يذكر، وأن الموجة الرابعة للديمقراطية لم تصل منطقتنا، الكثيرون كانوا يتحدثون عن عدم تلاؤم الديمقراطية والنظام السياسي والثقافي للشرق الاوسط، وخاب أمل الكثيرين بخصوص المنطقة؛ كان التشاؤم يسيطر على آرائهم ووجهات نظرهم وتوقعاتهم، وكان القليلون حينئذ لديهم فكرة إيقاد شمعة الديمقراطية في منطقة بدون ديمقراطية، كانت تلك الشمعة في حينها تسمى كوردستان العراق، حيث إتخذ إقليم كوردستان خلال شهر مايو/ أيار سنة 1992 خطوة تأريخية في العملية الديمقراطية، في إنتخابة أول برلمان حر ونزيه.
وفي العام نفسه قرر البرلمان أن تكون علاقات إقليم كوردستان مع الدولة العراقية في المستقبل على أساس الفيدرالية، وكان القليل من خارج القوى السياسية الكوردستانية يتوقع أن يتحقق حلمنا هذا، ولكن حلمنا كان حياً دائماً، نحن لم ننكر وجود النواقص، ولكننا واثقون من اننا نسير في الطريق الصحيح نحو مستقبل مشرق. شيخ عبيدالله النهري عام 1880 كان يحلم بأن يكون الكورد أصحاب قرارهم، وكانت الإنتفاضات وثورات القرن الماضي تسير في هذا الإتجاه.
عام 2003 طرأ على العراق تغيير أساسي، وخلال عامين إتفق قادة كوردستان والمكونات الأخرى العراقية على صياغة دستور جديد للعراق على أساس دولة ديمقراطية تعددية فيدرالية، وتم إجراء إستفتاء على الدستور في العراق، حيث صادق عليه أربعة من خمسة من مجموع المصوتين في جميع أنحاء البلاد.
وفي عام 2005 تم إجراء ثلاث إنتخابات في برلمان كوردستان، وتم تشكيل الحكومة بشكل سلمي، وتم تداول السلطة سلمياً، ونحن نستذكر في الكثير من الأحيان، بأن المطاليب الرئيسية لإنتفاضة وثورة كوردستان تتحدد في الديمقراطية وحقوق الإنسان والأقليات. وان تطبيق الفيدرالية في العراق كانت مطلباً رئيسياً لشعب كوردستان وممثليه. وهذا هو الإطار التأريخي المهم لتفهمنا واقع التغيير الراهن للشرق الأوسط.
وخلال السنوات الأخيرة نرى أن النظام السياسي في المنطقة تعرض إلى أزمات خطيرة وأن الأمور تتجه نحو مستقبل مجهول. بعض الأنظمة كنظام صدام حسين ومعمر القذافي وحسني مبارك لم يبقوا في السلطة. وتعرضت بعض الدول مثل سوريا واليمن إلى حرب داخلية وآيديولوجية عنيفة. ونحن في إقليم كوردستان لا يمكننا تجاهل مخاطر التصدي لقوة كبيرة وفتاكة جداً تحمل علم الدولة الإسلامية، ومن الممكن أن تهدد هذه القوة بقائنا.
أن إقليم كوردستان يقف حالياً بوجه قوة عنيفة ومدججة بالاسلحة، وليس بامكان شعب كوردستان من تحقيق النصر على هذا النوع الجديد من الإرهاب. نحن بحاجة إلى مساعدات عسكرية، إنسانية، إقتصادية، وبحاجة إلى التعاون الإستخباراتي والأخلاقي من قبل أصدقائنا في الخارج. نحن نعيش في منطقة تعرضت فيها جهود إرساء أسس ومباديء الديمقراطية إلى العديد من المحاولات لإفشالها، حيث أُنتهكت حقوق الأقليات الدينية والقومية، وأن العنف السياسي أصبح السبيل الوحيد للحل.
أن إقليم كوردستان مقارنهً مع العديد من الدول الأخرى في الشرق الأوسط، بات نموذجاً لعملية السلام ورحابة الصدر، وأن حماية هذه التجربة هو من واجب جميع الجهات الديمقراطية والتحررية، أن حماية تجربتنا ستبعث الأمل في نفوس العديد من الأشخاص المهتمين بالديمقراطية، والتسامح، والتعايش وحماية حقوق الأقليات. ولا شك لو أمعنا النظر من الخارج إلى الشرق الأوسط، سيما من زوايا المنظور الإعلامي، نرى أن الإقتتال منتشر في العديد من المناطق، ولكن ينبغي عدم تجاهل هذه الحقيقة؛ بأن إقليم كوردستان كعامل إستقرار، لعب دوراً حيوياً خلال فترة الخمسة عشر عاماً الماضية في العراق.
في أوج الصراع بين الشيعة والسنة في العراق، دأبت القوى السياسية في كوردستان إلى بذل كافة جهودها من أجل إيجاد النقاط المشتركة بين الجانبين لتهدئة الوضع الأمني والسياسي في البلاد. وكانت بيوت ومكاتب قادة كوردستان في بغداد مفتوحة لتقارب القوى السياسية في العراق، وخاصة جهود سيادة رئيس الجمهورية جلال طالباني، وسعيه من أجل تقريب الأطرف المتنازعة.
وكان بعض من ضيوفنا الأجانب يتحدثون معنا أحياناً عن مدى تسامح شعب كوردستان بجميع مكوناته تجاه كل ما تعرض له في هذا البلد من مظالم تأريخية. ويتحدثون معنا عن مدى مقاومة وصبر أهالي المناطق المتنازع عليها، حيث ينتظرون منذ أكثر من عشرة أعوام تنفيذ حقوقهم الدستورية، من أجل عودتهم إلى أماكن أبائهم وأجدادهم.
نحن سنعمل ما بوسعنا في إستغاثة جميع المكونات التي تتعرض للغدر في البلاد، لأن حمياتهم تعني حماية شعب كوردستان، وتعني حماية أرض كوردستان. ولو نظرنا إلى الشرق الأوسط من خلال تجربة كوردستان، باعتقادي نستطيع القول بأن تعزيز مفهوم التسامح وإيجاد الحلول المناسبة لمشاكلنا السياسية هي شيء ليس من المستحيل. السؤال الرئيسي هو: كيف يمكننا وضع أسس مشتركة نتفق عليها سويةً، وبالتالي نلتزم بها ونحترمها؟.
فعندما نتحدث عن النظام السياسي الجديد في الشرق الأوسط، من الممكن إجراء البحوث على العديد من الجوانب في تجربة إقليم كوردستان، معرفة كيفية الإستفادة منها على مستوى المنطقة. وفي الإطار الجيوسياسي المعقد للمنطقة، أصبح إقليم كوردستان اليوم عاملاً للإستقرار وفي التأريخ الذي ليس بطويل من تجربته الديمقراطية، وتمكن من إثابت هذه الحقيقة؛ بأن إقليم كوردستان أصبح عاملاً للإستقرار لجميع تلك الدول التي تحيط بنا.
أن إنفتاح كوردستان بوجه العالم الخارجي، وتشجيع الإستثمار المحلي والخارجي، غيَّر إقتصاد الإقليم، السياسة العصرية لنفط الإقليم عالجت إلى حد ما مشكلة الكهرباء والطاقة المحلية، وجعلت من كوردستان إسماً معلوماً على خارطة الطاقة العالمية، كل هذه الخطوات من التجربة بعثت الأمل في نفوس شعب كوردستان وأثبتت لدول الجوار بأن السلام والتعايش في الشرق الأوسط ليس مستحيلاً.
قبل ثلاث اشهر، تعرضت تجربتنا الديمقراطية والتعايش السلمي إلى خطر البقاء في كوردستان. لذا قرر الأصدقاء من محبي الديمقراطية الإستجابة لنا وإستغاثتنا، وأثبتت الدلائل بأن جهودنا السياسية والعسكرية والإقتصادية والإجتماعية خلال هذه السنين كانت مجدية ومثمرة. وباعتقادي يجب إجراء بحوث دقيقة حول ولادة النظام الجديد للشرق الأوسط وعوامل إستمراره، من خلال التأكيد على تجربة إقليم كوردستان.
في عام 1991 تعرضنا إلى كارثة كبيرة، عندما قام نظام صدام حسين بشن هجوم مباشر على كوردستان عقب فشله في حرب الكويت. حيث قامت قوات التحالف في حينها بعد فترة قصيرة إلى نجدة وإستغاثة شعب كوردستان من خلال إقامة منطقة لحظر الطيران (Noy-Fly_Zone) بهدف حماية شعب كوردستان من سلاح الجو العراقي. بعض من أصدقاء الشعب الكوردي كانوا يتحدثون عن أن المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته في حماية شعب لم يكن بامكانه الدفاع عن نفسه. وبعض الأكايدميين والسياسيين قالوا: يمكننا القول بأن النظام العالمي الجديد بعد الحرب الباردة؛ تم رسمه على اساس إستغاثة شعب كوردستان.
ويمكننا اليوم أن نقول بأن النظام السياسي الجديد للشرق الأوسط؛ لم يُرسم فقط على أساس إستغاثة إقليم كوردستان،وإنما تجربتنا في التعايش ومحاولاتنا لتثبيت أسس الديمقراطية والتعددية وإحترام سيادة دول الجوار والبحث عن الحلول السلمية للتحديات التي تواجههنا، قللت من التشاؤم بخصوص الشرق الأوسط. وبعثت فينا الأمل بأن الشرق الأوسط بأمكانه ايضاً إتخاذ خطوات كبيرة وصغيرة نحو التحرر والإستقلال والديمقراطية.
كل أملي أن تكون تجربة كوردستان هذه المرة مشعلاً لتفاؤلنا تجاه الشرق الأوسط على اساس الإحترام، ورحابة الصدر، والتعاون ضد الإرهاب، وحماية حقوق الإنسان والأقليات، وإعادة إعمار بلادنا، والخدمات والنظام الإداري الصحيح الذي يتلائم مع الحياة العصرية.
مع وافر الشكر والتقدير